Friday, November 5, 2010

وم 62: مقبرة توت عنخ آمون بقلم البروفيسور كنت ويكس ترجمة سفير اللغة العربية أحمد صديق

مما يدعو للسخرية أن أصغر المقابر الملكية في وادي الملوك هى أيضا أشهرها. فمن يوم أن أعلن عن اكتشافها في نوفمبر 1922 ومقبرة توت عنخ آمون أسرت خيال العالم، ملهمةً بأفلام رديئة وروايات وأحلام شبابية بمهنة في الآثار أكثر من أي اكتشاف أثري آخر. والسبب بسيط: الكنوز قد تكون صغيرة ولكن وم 62 كانت حافلة بآلاف القطع جميلة الصنع كثير منها من الذهب الخالص. فلا عجب حين تملّك العالم العجب حين نشرت أخبار الكشف وصوره. لم تكن مقبرة توت عنخ آمون المقبرة المصرية الوحيدة التى عثر عليها في صورة شبه كاملة (فمقبرة يويا وتويا في وادي الملوك ومقبرة حتب حرس في الجيزة) مثالان آخران ولكن لا نجد كشفا آخر حتى يقارب جودة وكم المحتوى فى وم 62. ويبدو من الراجح أن توت عنخ آمون قد قُبِر في وم 62 لأنه مات على نحو غير متوقع وهو لا يزال مراهقاً. وإذا كان العمل في بناء مقبرة له فى هذه السن المبكرة قد بدأ فلا بد أن العمل لم يكن من الكفاية بحيث يمكن استخدام تلك المقبرة. والطريقة التى حشيت بها القطع الجنازية في المقبرة توحي بأن الدفن كان على نحو من العجلة الشديدة. غير أن زعماً بأن توت عنخ آمون قد قتله رجال البلاط ودفنوه على عجل لإخفاء دليل الجريمة لا يحظى بقبول كبير. و ما إن ختمت المقبرة حتى سرقت غير مرة بل على الأقل مرتين ربما من قبل الحراس المعينين لحمايتها. وكلتا السرقتين اكتشفتا بسرعة وقد عثر كارتر على ثمانية أقراط من الذهب ملقاة على أرضية الكنز ملفوفة في قطعة من القماش كجزء من المسروقات التى كان يخطط اللصوص لتهريبها. ومن الواضح أنها ألقيت فى الغرفة ثانيةً حينما قبض على اللصوص. وهناك دليل مادى جسيم على هذه السرقات القديمة. ولكن ليس هناك دليل يدعم المزاعم الحاضرة لعديد من الكتاب الذين يزعمون أن كارتر وكارنارفون قد عثرا على وم 62 قبل عام 1922 بزمن طويل وكانا يقومان بسرقتها بصورة منظمة حتى كاد يكشف عنهما وحينئذ وفي فزع مثّلا مسرحية اكتشافها. أما كنز توت عنخ آمون فهو معروض الآن فى المتحف المصري بالقاهرة وإن روعة جماله ونفائسه لتبهر الأنفاس والزوار الذين يأتون إلى وادي الملوك يتوقعون أن تكون مقبرته على نفس المستوى من السحر ولكنها ليست كذلك. تتألف المقبرة من أربعة حجرات صغيرة تغطى 110م2 فقط (1184 قدم مربع) وهى شديدة الضيق و تكاد تكون خاويه تماماً. غير أنه لا يزال هناك تابوت من الكوارتز الجميل فى غرفة الدفن بداخله التابوت الخارجي ومومياء توت عنخ آمون الصغير. على جدران غرفة الدفن زينت الجدران ببساطة بصور قليلة ونصوص يسيرة. أما بقية الجدران فهى عارية. وقد كشف عمال هوارد كارتر سلم المدخل المفضي إلى وم 62  فى الرابع من نوفمبر عام 1922، وفي اليوم التالي قاموا بالكشف عن الستة عشر درجة المشهورة الآن والتي تؤدي إلى مدخل المقبرة الذي كان مغلقاً بالطين والحجر ومختوماً منذ أكثر من 30 قرناً بأختام حراس الجبانة. وقد بعث كارتر حينها إلى مموله الإنجليزي بأخبار الكشف وانتظر بنافذ الصبر مجئ اللورد كارنارفون قبل أن يعبر الباب فى الرابع والعشرين من نوفمبر. "بادئ ذى بدء لم أستطع رؤية أي شيء"، هكذا كتب كارتر لاحقا "فالهواء الحار المار من الغرفة جعل لهب الشمعة يهتز، ولكن الآن وقد أخذت عيناي تألف الضوء جعلت تفاصيل الغرفة التي بالداخل تبدو شيئاً فشيئاً من الضباب، حيوانات غريبة وتماثيل وذهب، أينما جمحت لمحت بريق الذهب." وقد استغرقت عشر سنوات من العمل المضني فى التصوير والتسجيل ونقل وحفظ أكثر من ثلاثة آلاف قطعة وجدت بداخلها، ولا يزال الكثير منها إلى اليوم غير منشور. للمقبرة خطة فريدة تختلف عن المقابر الملكية الأخرى ومقابر النبلاء الصغيرة في الاقصر. ولكن لو نقل سلم المدخل المفضي إلى ما أطلق عليه كارتر الغرفة الأولى حول الطرف الأيسر من الغرفة الأولى لكانت خطة المقبرة الحاصلة حينئذ غير مختلفة كثيراً عن المقابر الملكية القياسية في الأسرة الثامنة عشرة: سلم وممرّ يؤدي إلى غرفة دفن بغرفة جانبية ممر للمدخل يقع أسفل الدرجات الستة عشر بطول ثمانية أمتار (27 قدم) وبعرض 1.7 (6 أقدام). عندما دخل كارتر هذا الممر كان مملوءا بالحطام. ولكن في الأصل كان يستخدم كغرفة تخزين أخرى إلى أن اكتشف حراس الجبانة أن المقبرة قد سرقت وقد نقلت محتويات الممر عندئذ إلى موقع آخر (وم 54). وكانت بها جرار وحقائب وضمادات وأزهار –  مواد يبدو أنها كانت تستخدم لتحنيط الملك الصغير. بعد إعادة دفن القطع قام حراس الجبانة بملء الممر بالحطام كوسيلة إضافية لإحباط هجمات لصوص المقابر المستقبلية وقد عثر على خبيئة التحنيط (وم 54) واستكملت حفائرها في عام 1907 أما الغرفة الأمامية وراء الممر فهي بمقياس 7.9 متر (26 قدم × 3.6 متر) (١٢ قدم) ويبلغ ارتفاعها 2.8 متر (9 قدم). وبداخل هذا الفضاء الصغير نسبياً قام كهنة توت عنخ آمون بتكديس الأسِرّة الهائلة والعربات الحربية والكراسي الواقفة المطعمة كثيراً والصناديق الملونة وجرار المرمر والبطّ المحنط والتمثالين المذهبين اللذين كانا يقفان حارسين عند المدخل على طول الجدار الأيمن الشمالي. على الجانب الأيسر من الجدار الخلفي من الغرفة الامامية باب منخفض صغير يؤدي إلى ما أطلق عليه كارتر الملحق (4.4 متر أو 14 قدم طولا و 2.6 متر أو 9 أقدام عرضاً). وتقع أرضيته على بعد متر (3 قدم) أسفل الغرفة الأمامية ولكن سقفها أكثر انخفاضاً أيضاً (2.6 متر أو 8 أقدام) وبداخل هذه الغرفه قام الكهنة بتكديس الأطعمة والمراهم وزجاجات النبيذ وجرار الزيت وسلال الفواكه والخضروات كما كانت هناك قطع من القماش والمجوهرات والأثاث. أرضية غرفة الدفن هي أيضا حوالي متر واحد أسفل الغرفة الأولى وتبلغ 6.4 متر (21 قدم  طولا × 4 متر) (13 قدم عرضاً) ويبلغ ارتفاعها 3.7 متر (12 قدم) وكان بها أربعة مقاصير مذهبة تكاد تملأ الغرفة، الواحدة داخل الأخرى وكان بها التابوت الكوارتزي الذى كان بداخله تابوتان مذهبان بهما ثالث من الذهب الخالص كانت ترقد به مومياء توت عنخ آمون. شرق غرفة الدفن نجد الكنز 4.8 متر (16 قدم × 3.8 متر) (12 قدم و 2.3 متر) (8 قدم ارتفاع). وقد كان حافلاً بمقصورة كانوبية مذهبة ومراكب وتميثيلات أوشابتي وصناديق مليئة بصور للأرباب والربات وتمثال كبير لابن آوى أنوبيس جاثماً وجنينان محنطان ربما كانا طفلي توت عنخ آمون اللذين لم يولدا. ولا نجد زخارف فى وم 62 إلا على جدران غرفة الدفن وهى مشبهة بعض الشبه لـ وم ٢٣، مقبرة آي. على الجدار الأيسر الغربي اثنى عشر قرداً كل منها في مستطيل راكعاً أمام مركب إله الشمس الليلي فى صورته  كخبري الجعران (الخنفساء) تسبقه ثلاثة أرباب وربتان. وهو منظر من الساعة الأولى من الأمدوات. على الجدار الخلفي الشمالي يقف الملك آي أمام مومياء الملك مرتدياً لباس جلد الفهد الضافي الذى يدل على أنه سِم وهو يؤدي شعائر فتح الفم. بين الصورتين مائدة منخفضة تراكمت عليها الأدوات المختلفة المطلوبة لأداء الشعيرة وخمسة سلاطين صغيرة من البخور. إلى اليسار توت عنخ آمون مرتديا نقبهً مطوية ضافية يقف أمام الربة نوت التى بيديها أحرف هيروغليفية تمثل الماء. إلى أقصى اليسار توت عنخ آمون في الوسط وتقف روحه الكا أمام أوزوريس. ومثل كل الزخارف في وم 62 قد رسمت الصور هنا رسماً سريعاً وبنسب غير منضبطة وتظهر صورة آي وإلى درجة أقل أحد صور توت عنخ آمون تأثيرات فن العمارنة. لاحظ أن البطون المتهدلة على سبيل المثال والأطراف الرفيعة والأصابع الطويلة و الذقن البارزة قليلاً. وقد تمكن الفنان من إظهار الروح والعاطفة بالطريقة التى تمتد بها أيدي الملك وأوزوريس ليلمس ويعانق أحدهما الآخر. على الجدار الأيمن الشرقي للغرفة يقود الموكب الجنازي اثنى عشر من كبار المسئولين وقد تتشابه أزياؤهم ولكن اثنين منهما بغير باروكة وهم يسحبون حبلاُ مربوطاً بمزلجة عليها ترقد مومياء توت عنخ آمون في مقصورة ضافية تحرسها صورتان صغيرتان لإيزيس ونفتيس. على الجدار الأمامي من غرفة الدفن يرحب حتحور وأنوبيس بالملك فى العالم الاخر وهذا لا يظهر للسياح اليوم. أما التابوت الكوارتزي الأحمر الباقي في هذه الغرفة فهو منقوش نقشاً بديعاً ويظهر أربع ربات نفتيس وإيزيس وسرقت ونيث يقفن بنحو حامِ بأذرع مجنحة ممتدة إلى الأركان الأربعة. ترتدي الأرباب قلادات ملونة بالأزرق وأشرطة للذراع. وهناك مخاوف بشأن حالة ألوان الجدار في غرفة دفن توت عنخ آمون ويعتقد بعض العلماء أن برنامجا بعدة ملايين الدولارات لتنظيف الجدران وإزالة النمو البكتيري الذى يغطي أسطحها قد بات ملحاً. 

No comments:

Post a Comment